كيف بدأت حرب تموز ونتائج حرب تموز 2006 على لبنان .. في الفترة التي تلت معركة تموز وصولاً الى اللحظة الحالية، طرأ تقدم جسيم على الترسانة التي يمتلكها حزب الله من منظومات أسلحة، ولذا يعزى الى عوامل غفيرة أهمها إدراك زعامة الحزب أن القدرات العسكرية الإسرائيلية تتطور دائماً.
كيف بدأت حرب تموز ونتائج حرب تموز 2006 على لبنان
عقب ثلاثة عشر عاماً من اختتام حرب يوليو/يوليو 2006، لا يخفى على كل متابع للشأن المحلي في الشرق الأوسط انعكاس صمود وانتصار الصمود اللبنانية في تلك المعركة على موازين القوى الإقليمية على نحو جذري، ولذا اتضح بأسلوب أكثر وضوحاً حتى الآن معارك تلت تلك الحرب مثل الحرب على غزة عام 2008، والمعارك المستمرة في المجال السوري منذ عام 2011، وكذا في المواجهة المفتوحة بين سوريا وإيران من ناحية وأميركا وإسرائيل من ناحية أخرى. ومن نافلة القول ذكر أن نتائج موقعة تموز كان لها أثر بعيد المدى لم يتضح إلا خلال الأعوام الأخيرة
وقد كان من أهم ارهاصاته انتهاء عهد الحروب التقليدية، وبدء عصر حديث يكون فيه لحروب العصابات والصواريخ بمختلف انواعها والطائرات دون ربان دور البطولة، ويتقلص فيه دور الأنظمة التسليحية الكلاسيكية والتكتيكات الميدانية النظامية. ولذا الواقع جعل التقدم العسكرية الإسرائيلية في هاجس مستديم
يحذرها من امكانية تعرض المناطق شمالي الأرض المحتلة لإجتياح مفاجئ أو تعرض كامل أراضي القدس المحتلة لصليات غزيرة من الصواريخ في اية مواجهة مرتقبة، ولعل التدريبات العسكرية المكثفة التي بدأتها وحدات جيش الاحتلال الإسرائيلي البارحة في الجليل أكبر دليل على هذا.
التهديد الوجودي أصبح حقيقة
كتب المحلل الإسرائيلي “بن كاسبي” في مجلة معاريف الإسرائيلية حتى الآن مرور صوب شهر على انطلاق النشاطات القتالية في موقعة تموز “في أعقاب مرور شهر على بدء النشاطات، أصبحنا على قناعة أن ما يأتي ذلك ليس عملية قتالية برية محدودة، ولا يوجد في ما ينتج ذلك قتال، بل ما ينشأ هو موقعة وجود مصيرية تشبه حرب التحرير، ولها قسوة مشابهة لما لاقيناه في موقعة يوم الغفران”. إذن كانت معركة تموز 2006
هي بداية تحول المخاطر الإقليمية المحيطة بالكيان الإسرائيلي من خانة التهديد المحصور الغير متعلق بأسلوب وثيق بمحاور استراتيجية او تدبير شاملة، الى خانة الوعيد الجدي لوجود الكيان الإسرائيلي ذاته، ففي المواجهات التي تلت معركة تشرين/أكتوبر 1973، مثل عملية الليطاني عام 1978
وعملية سلامة الجليل عام 1982، واشتباكات عامي 1993 و1996، كان القوات المسلحة الإسرائيلية هو المبادر بالانقضاض على طول فترة النشاطات العسكرية، دون أن تكون هنالك تهديدات جادة لأراضي فلسطين. بل في حرب يوليو 2006 وما بعدها صارت هنالك تهديدات دائمة للأراضي الفلسطينية المحتلة من أهم من اتجاه.
الصواريخ .. وما بعدها
كانت كلمة المرور في حرب يوليو هي الوعيد الصاروخي النافذ الذي نجح حزب الله في وضعه ليس حصرا كوسيلة قتالية هجومية، لكن أيضاً للتأثير على الحسابات الإسرائيلية طوال الإجراءات العسكرية، وتشكيل توازن ردع حظر الجيش الإسرائيلي من توسيع عملياته الجوية خلال معركة يوليو، وذلك بعنوان رحيب هو “حيفا وما بعدها”، لتحذير إسرائيل من أن أي تصعيد من جانبها سيقابله تصعيد مطابق تجاه المدن والبلدات في الأرض المحتلة.
على المسارات الميدانية، أحرزت الشدة الصاروخية للحزب أولى الدمار الآدمية في إسرائيل في اليوم الثالث للحرب، واستهدفت على نحو ضروري المستوطنات والبلدات القريبة من الحدود اللبنانية مثل نهاريا وصفد وكريات شمونة وروشبينا، إلا أن حينما كانت عمليات القصف الجوي اﻷسرائيلية تتصاعد كلما أزداد توغل صواريخ الحزب الى مسافات ابعد، ففي اليوم الـ4 وصلت الصواريخ الى طبريا التي تبعد ٤٠كم عن الأطراف الحدودية
وفي اليوم الخامس طالت القذائف الصاروخية للمرة اﻷولي محطة القطارات بمدينة حيفا بالقرب من مدن العفولة والناصرة وعكا ونهاريا. في اليوم الثامن بلغت القذائف الصاروخية الى مسافة ٥٠ كم بعد قصفها لرامات ديفيد وفي اليوم الـ2 والعشرون تم إعتداء بلدة بيسان التي تبعد ٦٨كم قرب الأطراف الحدودية اﻷردنية بإطلاق صاروخ نوعه”خيبر١” ظهر للمرة اﻷولي خلال المعركة.
في اﻷيام اﻷخيرة للمعارك وبالتحديدً في اليوم الرابع والعشرون استخدم حزب الله قذائف صاروخية خيبر في قصف مدينة الخضيرة التي ﻻ تبعد إلا أصغر من ٥كم عن تل أبيب. النجاح الباهر لمقاتلي الحزب في ذاك اﻷطار تم تتويجه باﻷخلاء الكامل لمستوطنة كريات شمونة وشل الحركة اﻷقتصادية فيها
وفي حيفا وأغلب المدن الحاضرة في إطار ٧٠كم من الأطراف الحدودية مع لبنان حتى الآن فشل المقاتلات اﻷسرائيلية وبطاريات الباتريوت من إتلاف أو الدفاع والمقاومة لصواريخ حزب الله وهي باﻷضافة الي قذائف المورتر وقذائف صاروخية الغراد اشتملت على عدة أنواع من القذائف الصاروخية مثل قذائف صاروخية زلزال١ التي يتعدى مداها ١٠٠كم وقذائف صاروخية فجر٥ التي يتعدى مداها ٧٠كم وكانت أكثر أهمية ما تم استعماله من صواريخ بجانب قذائف صاروخية رعد١ وخيبر١”.
شهدت موقعة يوليو أيضاًً استخداماً مكثفاً وفعالاً للقواذف المضادة للدروع، مثل القواذف الروسية “آر بي جي٢٩” و”كورنيت”، وتحولت الدبابات الإسرائيلية إلى أضرحة لطواقمها للمشاة المتحركين برفقتها، بشكل خاصً في معركة “وادي الحجير”ـ الأمر الذي أثبت خطأ اﻷستراتيجية الهجومية للكتائب الإسرائيلية التي اتبعت أساليب ﻻ تؤتي أُجميعها اﻻ ضد جيوش نظامية. أما في ما يتعلق بالدفاع الجوي والساحلي
فعلي الرغم من تدهور اﻷمكانيات العسكرية لحزب الله في ما يتعلق بالدفاع الجوي والساحلي وقت معركة تموز 2006، اﻻ أنه إستطاع وافرة مرات من اسقاط عدد يتباين بين أربعة وثمانية طائرات مروحية عسكرية اسرائيلية اثناء قيامها بإجراءات الأنزال، وتمكن ايضاً من إعطاب زورق حربي عاجل من نمط “سوبر ديفورا” وسفينة قذائف صاروخية من نمط “ساعر- ٥” بنسخة من القذائف الصاروخية الصينية البحرية “C802”.
تزايد ما حتى الآن حرب تموز
في الفترة التي تلت موقعة يوليو وصولاً الى اللحظة الحالية، طرأ تطور هائل على الترسانة التي يمتلكها حزب الله من منظومات أسلحة، وذلك يعزى الى عوامل عدة أكثرها أهمية دراية قيادة الحزب أن القدرات العسكرية الإسرائيلية تتحسن بإستمرار. مثلما أن مشاركة حزب الله في الشغل العسكري المواجه للمجموعات المسلحة في الجمهورية السورية شارك بشكل أساسي في صقل الخبرة الميدانية لعناصر الحزب، وهي الخبرة التي من المتعب تكوينها من خلال التدريبات او المناورات.
ففي جمهورية سوريا عكف حزب الله على تطوير جانب الإستطلاع الجوي، ففي طوال حرب تموز 2006 نفذ الحزب عدة طلعات استطلاعية بطائرات دون طيار من نوعي مرصاد1 ومرصاد2، بل لم تحدث الأنشطة الاستطلاعية لحزب الله طوال هذه الموقعة على نحو واسع المجال، حيث اقتصرت على استطلاع الأنحاء الحدودية مع القدس المحتلة، مع تنفيذ عمليتين قبيل الحرب في نوفمبر 2004 وأبريل 2005، نهض فيهما حزب الله باستطلاع أنحاء الجليل في فلسطين. في الفترة التالية لحرب تموز، بدأ حزب الله بشكل متدرجً في تحديث واختبار إمكانياته في ما يتعلق بالطائرات دون طيار
وكانت اول تجربة في أكتوبر 2012، حين اخترقت احدى طائراته اجواء اتجاه جنوب فلسطين في صحراء النبش. وبعد الإنخراط في المعارك بسوريا، نفذ حزب الله لأول مرة عام 2014 عمليات هجومية بإستخدام طائرات دون طيار في منطقة جرود القلمون، وكذلك نفذ في نيسان 2013 بإستخدام طائرات “أيوب 1” تحليقاً استطلاعياً قرب سواحل حيفا
ليشكل بذاك خطورة محتملة على منصات الاستخراج الإسرائيلية عن الغاز في البحر الأبيض، ناهيك عن نشاطات التهكير المتتالية لأجواء الجولان المحتل بطائرات إستطلاعية دون ربان، والتي ينهي فيها الإهتمام على امتلاك طائرات دون ربان ذات مدى عملياتي جسيم، وتشير التقديرات الغربية الى توفيق حزب الله في الاستحواذ على طائرات دون ربان يبلغ مداها الى ألف كيلو متر.
على صعيد القتال البري، صقلت الاشتباكات المسلحة التي خاضها مقاتلو حزب الله ضد المجموعات المسلحة في سوريا من الخبرات الميدانية القتالية للوحدات التابعة للحزب، مثلما ان معارك سورية أظهرت امتلاك الحزب لناقلات جند مصفحة ومدافع ميدان ودبابات، وهو الذي ألحق إمكانيات كلاسيكية اضافية الى قوة الحزب، مضافاً إليها أنواع عصرية من القذائف الصاروخية أرض – أرض وأرض – بحر، حيث توميء التقديرات الغربية الى أن الحزب يحوز
هذه اللحظةً قذائف صاروخية “ياخونت” المضادة للقطع البحرية، بجوار قذائف صاروخية فاتح101، ويضاف الى ذلك عدد من الصواريخ متوسطة المجال، التي وبحسب الأمين العام لحزب الله تغطي حالاً كامل أراضي الأرض المحتلة. حزب الله عمل خلال الفترة الفائتة ايضاً على تحديث قدراته للدفاع الجوي، وحسب التقديرات الغربية يمتلك غفيرة انواع من القذائف الصاروخية الروسية الصنع منها ما هو محمول على الكتف ومنها ما هو ذاتي الحركة.
التهديدات الإقليمية لإسرائيل تتزايد
من أكثر النقط التي تعتبر منشأ قلق لصانع القرار الإسرائيلي، هو تعدد مصادر الوعيد المحيطة بفلسطين المحتلة، فبالإضافة الى حزب الله في لبنان، والقدرات المتعاظمة لحركات الصمود في غزة، تدخل إيران وجماعة أنصار الله في اليمن كمصادر ابتزاز محتملة تضاف الى التهديد المطرد منذ عقود من جانب الشام السورية. مسعى جماعة أنصار الله كانت ذات مواصفات متميزة للغايةً وناجحة لأقصى حاجز بأسلوب يجعل من الجائر للغايةً تداول التقنيات بينها وبين حزب الله خاصة في ما يكون على ارتباط بالقدرات الصاروخية والطائرات دون طيار، وهما المحورين اللذين أحرزت فيهما الجماعة اليمنية نجاحات متتالية.
أخطار استعمال الصواريخ والطائرات دون طيار الهجومية تشكل صخر زاوية في المخاطر العسكرية التي يواجهها القوات المسلحة الإسرائيلية في اية لقاء مرتقبة.
فعلى ضوء المعركة في اليمن وسوريا، وتصاعد التوترات داخل حدود منطقة الخليج العربي، تتراجع ببطء أهمية الطرق العسكرية الهجومية، وتتصاعد اهمية الطرق الدفاعية خاصة في ما يكون على ارتباط بوسائط الإسقاط والتشويش على الصواريخ والطائرات دون ربان، وهي الطرق التي تبقى حتى الأن عاجزة عن تقديم تأدية ميداني نافذ خاصة لو تم إستخدام مبداً “الإغراق” في الهجمات الصاروخية أو المنفذة بالطائرات دون ربان، ولذا هو التحدي الأهم في اية موقعة مرتقبة.
وإذا قسنا على مجريات موقعة تموز، فإنه إذا كانت الماكينة العسكرية الإسرائيلية برغم اكثر من ١٢ ألف طلعة جوية و١٥٠ 1000 قذيفة مدفعية ومجهود بري لسبع ألوية مصفحة، قد فشلت في تحري مكسب ميداني حقيقي، بل حتى فشلت في تقصي المبتغى الإستراتيجي اللازم لحرب يوليو
وهو تشطيب الإمكانيات الصاروخية لحزب الله، حيث أستمرت الفرق الصاروخية الموالية لحزب الله من إدامة أطلاق صليات الصواريخ طيلة أيام المعركة في حضور أجواء تسيطر فوقها المقاتلات اﻷسرائيلية. حتى على المستوى البري،لم تتمكن سبعة ألوية مصفحة ومشاة ميكانيكية اسرائيلية من داخلها ألوية النخبة “جوﻻني – جفعاتي” بجانب لوائي مظلات وقوات خاصة، من تحري النتائج الميدانية المطلوبة برغم فوزها في العدد والعدة وامتلاكها لسيطرة بحرية وجوية مطلقة.
بالتالي يمكننا ان نقول ان موازين القوى بداخل منطقة شمال أفريقيا والخليج قد تغيرت تماماً، وانه أصبح من المحتمل لقاء الطائرة الجديدة ذات المجال والتسليح المتفوق بصاروخ أحوال جوية – طقس مقدار ليطلق من منصة أرضية مثلما وقع في دولة اليمن، ومن المحتمل تدمير القطع البحرية العارمة بصاروخ بحري
يطلق من البر أو حتى بزورق انتحاري، ومن المحتمل إستهداف اية مصفحة أو دبابة بالغة التدريع والقوة بصاروخ عكسي للدروع مطلق من منبر صغيرة، ومن الممكن استهداف اية مساحة محصنة بطائرة دون ربان ضئيلة تحمل على ظهرها قنيبلات صغيرة، ويتحكم بها فني ماهي يعرف تماما متى وأين يكبس على زر الإسقاط!