خطبة الجمعة القادمة 6 مايو 2022 .. الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابهِ الكريمِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ، وأشهدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ صلِّ وسلمْ وباركْ أعلاهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وبعدُ:
إنَّ التجارةَ مِن الربحِ الطيبِ الذي تشجيعَّ فوقهِ الإسلامُ وكلفَ بهِ، فعن رفاعةَ بنِ رافعٍ رضي الله سبحانه وتعالى سبحانه وتعالىُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ أعلاه وسلم سُئلَ: أيُّ الربحِ أطيبُ؟ فقالَ: عملُ الرجلِ بيدهِ، وكلُّ بيعٍ مبرورٍ”(رواه الحاكم)، أفادَ العلماءُ: والبيعُ المبرورُ ما ليسَ فيه تلاعبٌّ ولا تضليلٌ، ولا ما يخالفُ الشرعَ، قال تعالى ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة:275]، وقال تعالى ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].
وتظهرُ وجوبُ التجارةِ في الإسلامِ أنَّ القرآنَ الكريمَ سَمَّى انتصاراتَهَا (بفضلِ اللهِ)، وقد قرنَ اللهُ تعالى ذكرَ الضاربينَ في الأرضِ للتجارةِ بالمجاهدينَ في سبيلِ اللهِ، أفاد إيتي ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [المزمل: 20]، وتحدث إيتي: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 198].
فالإسلامُ دينٌ يدعُو إلى الكسبِ والعملِ، وينوهُ مِن البطالةِ والخمولِ والكسلِ، والعملُ هو السبيلُ إلى إعمارِ الأرضِ، وتتيحِ الأوطانِ، وإنشاءِ الحضاراتِ، إذُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)(هود: 61)، وصورُ الدخلِ الحلالِ كثيرةٌ مغايرةٌ، ومِن أرقىِهَا التجارةُ، ويكفِي أصحاب التجارةُ شرفًا أنَّ نبيَّنَا (صلَّى اللهُ أعلاه وسلم) صاحب تجارةَ مع سيطرِّهِ أبوي طالبٍ، ومع أمِّ المؤمنينَ خديجةَ (رضي الله عز وجلُ عنها)
فكان (صلَّى اللهُ أعلاه وسلم) خيرُ مثالٍ للتاجرِ الأمينِ، إذُ نعت وتصويرَهُ السائبُ بنُ والدي السائبِ (رضي الله عز وجلُ عنه) بقولِهِ: – كنتَ شريكِي في الجاهليةِ، فكنتَ خيرَ شريكٍ، لا تُدارينِي، ولا تُمارينِي- أي: لم يكنْ (صلَّى اللهُ أعلاه وسلم) يُخفِي نقص وخللًا في سلعةٍ، ولا يجادلُ بالباطلِ.
فالرزقُ التشريعيُ الطيبِ هو ما اكتسبَهُ الإنسانُ من خلالِ عملٍ مشروعٍ، أو مهنةٍ لا ريبةَ فيها ولا شبهةَ، فدينُنَا الإسلاميُّ ما حرَّمَ علينَا أمرًا، إلّا وجعلَ في بدلِهِ طُرقًا ووسائلَ وأعمالًا شتَّى للحلالِ الطيبِ، فحرّمَ الزنَا وأحلَّ الزواجَ، وحرّمَ الربَا وأحلَّ التجارةَ، وبذلك .. فالتجارةُ عملٌ شريفٌ وطيّبٌ، إنْ التزمَ ذوُهَا الطريقَ المستقيمَ، قال اللهُ إيتي: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور [الملك:15].